التحذير من أعمال السحرة
   عدد المشاهدات : 6001

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد  أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)). أما بعد :

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

معاشر المؤمنين .. هناك أنواع من السحر يكثر وقوعها، وتخفى على بعض الناس أنها منه، حتى اعتقد بعضهم، أن من صدر عنه عمل خارق فهو ولي لله عز وجل، وحتى آل الأمر إلى أن عُبد أربابها.

وهذا العمل بعينه من الناس أحوال شيطانية، واستدراج من الشيطان لبني آدم إلى الشرك، ولابد للمسلم أن يفرق بين ولي الله وعدو الله، من ساحر وكاهن ونحوهم، ممن قد يجري على يديه شيء من الخوارق، كأن يجر الأثقال بشعره، أو تمشي السيارة على جسده فلا تضره، أو يدخل السيف في صدره ويخرجه من ظهره، فهذا كله مما يساعد فيه الشيطان، وأولياء الله تبارك وتعالى هم أحبابه المتقربون إليه بالطاعات وترك المحرمات، وإلم تجر على أيديهم خوارق، وإن جرت فكرامة من الله تبارك وتعالى، وليست وحدها دليلا على الولاية.

وكرامات الأولياء تقوى بذكر الله وتوحيده وقراءة القرآن، أما خوارق السحرة والمشعوذين، فإنها تضعف وتبطل عند ذكر الله وقراءة القرآن، في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت) رواه الإمام أحمد، قال عوف: "العيافة: زجر الطير، والطرق: الخط يخط بالأرض، والجبت قال الحسن: رنة الشيطان أو إنه الشيطان".

بيَّن صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثلاثة أمور، كلها داخلة في مسمى السحر:

أولها: العيافة، وهي زجر الطير أي: تهييجه، والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها، وقد كانت العرب تفعل ذلك من باب التشاؤم والتفاؤل، إذا أرادوا فعل أمر كسفر أو تجارة، أتوا إلى الغربان أو الحمام أو غيرها، فينفرونها أو يزجرونها، فإذا طارت باتجاه اليمين تفاؤلوا وأقدموا على ذلك الأمر، وإذا اتجهت نحو الشمال تشاءموا وأحجموا عن ذلك الأمر. وقد أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه العادة الجاهلية، وعلمنا صلاة الاستخارة، وتفويضَ الأمور لله تبارك وتعالى.

وثانيها: الطرق، وهو ما يخطه الرمالون الكذابون، ويدَّعون به علم الغيب، ويدخل في ذلك: قراءة الكف والفنجان، وتحديد المستقبل من الأبراج ونحوها، وإن كان ذلك من باب التسلية، وعلى المسلم ألا يصدق هؤلاء الكذابين، فعلم الغيب مما اختص الله سبحانه وتعالى بعلمه، قال الله عز وجل: ((قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)).

وثالثها: الطيرة، وهي التشاؤم بالطيور وغيرها، كاعتقاد أن البومة إذا مرت على دار ونعقت، فسيموت أحدٌ من أهل هذه الدار، وكذلك التشاؤم ببعض الأيام أو الشهور أو الأرقام أو غير ذلك، قد حذر صلى الله عليه وسلم منها فقال: (الطيرة شرك) خرجه الإمام الترمذي، أي لما فيها من تعلق القلب بغير الله سبحانه وتعالى.

وبهذا يظهر أن العيافة والطرق والطيرة من السحر، وذلك أن السحر اسم لما خفي ولطف سببه، والاعتماد في هذه الأمور على أمر خفي، وقول الحسن: "الجبت رنة الشيطان" تفسير للجبت ببعض أفراده، ورنة الشيطان أي: صوته، وفُسر صوت الشيطان: بكل صوت يدعو للباطل، وكل صوت محرم، فصوت النائحات منه، وصوت المعازف والملاهي منه، قال الله عز وجل: ((وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)).

وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح. يخبر صلى الله عليه وسلم خبرًا معناه النهي والتحذير، لأن من تعلم شيئًا من علم التنجيم فقد تعلم شيئًا من السحر المحرم، وذلك لما فيه من الاستدلال بالأمور الخفية التي لا حقيقة لها، ولما فيه من ادعاء علم الغيب الذي اختص الله بعلمه، فالمنجمون يستدلون بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، فيزعمون أن من ولد في نجم كذا فسيكون سعيدًا، ومن ولد في النجم الآخر فسيكون تعيسًا، والحق أنه ليس للنجوم أي علاقة بحوادث الأرض وأحوال الناس، كل هذا من ادعاء الغيب الذي استأثر الله به، فالله سبحانه وتعالى هو المتصرف في الكون، وبيده مقاليد الأمور.

وقد بين صلى الله عليه وسلم أنه كلما ازداد المنجم توغلاً في التنجيم، ازداد توغلاً في السحر والإثم العظيم، وزيادة البعد من الله تبارك وتعالى، فإن ما يعتقدونه في النجوم من معرفة الحوادث التي لم تقع، وربما تقع في مستقبل الزمان، مثل إخبارهم بوقت هبوب الريح ومجيء المطر، وظهور الحر والبرد، وتغير الأسعار، وموت فلان ونحوها، ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب واجتماعها وافتراقها، هذا باطل كما أن تأثير السحر باطل، بل هو مما استأثر الله به، قال الله عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ))، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يعلم ما في غد إلا الله تبارك وتعالى، ولا يعلم متى يأتي المطر إلى الله عز وجل).

وأما ما يدرك بطريق المشاهدة، من علم النجوم الذي يعرف به الزوال، وجهة القبلة ونحو ذلك، فغير داخل فيما نهى الله عنه، قال الله عز وجل: ((وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)).

روى النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سَحَر فقد أشرك، ومن تعلق شيئًا وُكِل إليه)، حذر صلى الله عليه وسلم أمته مما يسمى بسحر العقد في الخيوط ونحوها، ومن تعاطى ذلك فهو مشرك، لأنه لا يتوصل بسحره إلا بعبادة الشيطان والتقرب إليها، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاستعاذة من شر هؤلاء في قوله: ((وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)) يعني: السواحر اللاتي يفعلن ذلك، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن سحر فقد أشرك) نص في أن الساحر مشرك، وقد حكى الحافظ عن بعضهم أنه لا يتأتى إلا مع الشرك، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ومن تعلق شيئًا وكل إليه) أي: ومن تعلق قلبه شيئًا بحيث يعتمد عليه ويرجوه، وكله الله سبحانه وتعالى إلى ذلك الشيء وخذله، وخلاَّ بينه وبينه، فإنْ تعلق قلبه بربه كفاه وتولاه، كما قال عز وجل: ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ))، ومن تعلق بالسحرة والشياطين، وغيرهم من المخلوقين، وكله الله سبحانه وتعالى إلى من تعلق به، ومن وُكل إلى غير الله، هلك وخسر خسرانًا مبينًا، وضل ضلالاً بعيدًا، بل من تعلق قلبه بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر فقد أشرك بالله سبحانه وتعالى، وسعادة المرء وعظم صلاح قلبه، في تعلقه بربه سبحانه وتعالى، ولجوئه إليه، وانطراحه بين يديه.

معاشر المؤمنين، قد بين الله تبارك وتعالى كفر السحرة في كتابه، وبين عز وجل خطر تعلم السحر، قال الله سبحانه وتعالى: ((وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ))، مما فُتح على الناس في هذه الأيام –وخاصة الشباب- تيسر الوصول إلى مواقع الإنترنت، التي تعتني بهذا الأمر العظيم، الشرك بالله تبارك وتعالى وهو السحر، فإن بعض الناس قد يدفعه الفضول وحب المعرفة الخاطئة، إلى أن يدخل على هذه المواقع ويتصل بهم ويتعلم منهم، ويقرأ في كتب السحر ويتعلم شيئًا من ذلك، وقد بين الله تبارك وتعالى خطر تعلم السحر في الآية المتقدمة، ((وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ))، وبعض الشباب هداهم الله تبارك وتعالى قد يقدمون على بعض الأعمال، التي يرونها من باب التسلية، وهي من باب التعلق بالشيطان أو السحر، كما يفعله بعضهم من رفع أخ له أو شخص كبير السن، بعد أن يتكلم بكلمات، فيرفعه بإصبعيه إلى الهواء، ولا شك أن في هذا تعلقًا بالشياطين واعتمادًا عليهم، وهو نوع من السحر، تقدم حكم السحر والساحر، كذلك ما يتعلق بمشاهدة القنوات التي فيها عرض السحرة شيئًا مما عندهم، والإجابةَ على أسئلة الناس، وكذلك ما يدعونه من علم الغيب، فيتصل عليهم السفهاء، ويسألونهم عن أمورهم، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم : (أن من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) وكذلك من ابتلي بالسحر فعليه أن يلجأ إلى الله تبارك وتعالى إذا سُحر أو قريبه إذا سحر، عليهم أن يلجؤوا إلى الله تبارك وتعالى، ويعملوا بما جاء في سنته صلى الله عليه وسلم من الرقى والأدعية الشرعية، فإن الله عز وجل ينفع بذلك، ومن لجأ إلى الله تبارك وتعالى وتوكل عليه كفاه.

أما الذهاب للسحرة من أجل حلِّ السحر، فقد صدر من اللجنة الدائمة للإفتاء فتوى بتحريم ذلك وأنه لا يجوز، ولربما تسلط عليه الساحر بسبب ذلك، ولا شك أن اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، واستعمال ما ورد في الكتاب والسنة من الأدعية والرقى خير وأسلم وأهدى للمؤمن.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام...


ما رأيكم في الموقع ؟